حدث [الفضيل بن الربيع] قال: حج أمير المؤمنين [هارون الرشيد] -عليه رحمة الله- قال: ثم أتاني وخرجت مسرعًا، أقول له: لو أرسلت إليَّ لأتيتك، قال: ويحك قد حاك في نفسي شيء فانظر لي رجلا أسأله، فقلت له: هنا [سفيان بن عيينة]، فقال: امض بنا إليه، قال: فأتينا فقرعنا الباب، فقال: من؟ قلت: أمير المؤمنين، فخرج وقال: لو أرسلت إليَّ أتيتك، فحادثه ساعة، ثم قال له: أعليك دين؟ قال: نعم، قال: اقض دينه، فلما خرجنا قال: ما أغنى عني صاحبك شيئًا، انظر لي رجلا آخر أسأله، قلت: هاهنا [عبد الرزاق بن همام] قال: امض بنا إليه، فأتيناه، فقرعنا الباب وخرج إلينا، فإذا هو بأمير المؤمنين، فقال: لو أرسلت إليَّ لأتيتك، فحادثه ساعة، ثم قال: أعليك دين؟ قال: نعم، قال: يا [أبا عباس] اقضِ دينه، قال: فلما خرجنا قال ما أغنى عنا صاحبك شيئًا، انظر لي رجلا أسأله، قلت: هاهنا [الفضيل بن عياض] قال: امض بنا إليه، قال: فأتينا، فإذا هو قائم يتلو آية من القرآن يرددها، قال: فقرعت الباب فلم يرد، فقلت: أجب أمير المؤمنين، قال: فاستمر في قراءته، فقلت: أما عليك طاعة، قال: بلى، لكن ليس للمؤمن أن يذل نفسه، ثم نزل ففتح باب الدار، ثم ارتقى إلى غرفة من الغرف، وأطفأ السراج، والتجأ إلى زاوية في بيته، قال: فدخلنا فجعلنا نجول بأيدينا علَّنا نجده، فسبقت كف هارون إليه، فقال: يا لها من كف ما ألينها إن نجت غدًا من عذاب الله –عز وجل-! فقلت في نفسي: ليكلمنه الليلة بكلام قوي من قلب تقي، قال: خذ –رحمك الله- لمجيئنا إليك، وأعطاه مالا، فقال: إن [عمر بن عبد العزيز] لما وليَ الخلافة دعا [سالم بن عبد الله]، [ومحمد بن كعب]، [ورجاء بن حيوة] فقال لهم: إني قد ابتليت بهذا البلاء، فأشيروا عليَّ، فعدَّ الخلافة بلاء، وعددتها أنت نعمة، خذ مالك لا أريده، ثم واصل فقال: قال له سالم: يعني قال سالم لعمر: إن أردت النجاة من عذاب الله فصم عن الدنيا، وليكن إفطارك منها الموت، وقال له محمد بن كعب: إن أردت النجاة من عذاب الله فليكن كبير المؤمنين لك أبًا، وأوسطهم أخًا، وأصغرهم ابنًا، ووقِّر أباك، وأكرم أخاك، واحنُ على ولدك. وقال له رجاء: إن أردت النجاة غدا من عذاب الله فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك، ثم مت إن شئت، وإني أقول لك يا أمير المؤمنين: إني أخاف عليك أشد الخوف من يوم تذلُّ فيه الأقدام، فهل معك -رحمك الله- من يشير عليك بمثل ذلك، فبكى هارون بكاءً شديدًا حتى غشي عليه، فقلت له: ارفق بأمير المؤمنين، فقال: يا ابن الربيع؛ تقتله أنت وأصحابك وأرفق به أنا، إن النصح رفق، النصح رفق، أفاق الرشيد وقال: زدني رحمك الله، فقال: يا أمير المؤمنين بلغني أن عاملا لعمر بن عبد العزيز شكا إليه، فكتب عمر عليه قائلا: يا أخي أذكرك طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد، فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم على عمر فقال له عمر: ما أقدمك؟ قال: خلعت قلبي بكتابك، والله لا أعود إلى ولاية حتى ألقى الله -عز وجل- فبكى الرشيد بكاءً شديدًا، ثم قال: زدني -رحمك الله- فقال: يا حسن الوجه، أنت الذي سيسألك الله -عز وجل- عن هذا الخلق يوم القيامة، فإن استطعت أن تقيَ هذا الوجه النار فافعل، وإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيتك؛ فإن نبينا -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أصبح لهم غاشًا لم يرد رائحة الجنة "
فبكى هارون بكاءً شديدًا، ثم أفاق وقال له: أعليك دين؟ قال: نعم، دين لربي لم يحاسبني عليه، فالويل لي إن سألني، والويل لي إن ناقشني، والويل لي إن لم أُلْهَم حُجَّتي، ثم انفجر باكيًا مضطربًا كما يضطرب العصفور المبلل بالماء، ثم هدأ فقال له: أما عليك دين لعباد الله نقضيه عنك؟ قال: إن ربي أمرني أن أصدق وعده وأطيع أمره، فقال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم من رزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)
فبكى هارون بكاءً شديدًا، ثم أفاق وقال له: أعليك دين؟ قال: نعم، دين لربي لم يحاسبني عليه، فالويل لي إن سألني، والويل لي إن ناقشني، والويل لي إن لم أُلْهَم حُجَّتي، ثم انفجر باكيًا مضطربًا كما يضطرب العصفور المبلل بالماء، ثم هدأ فقال له: أما عليك دين لعباد الله نقضيه عنك؟ قال: إن ربي أمرني أن أصدق وعده وأطيع أمره، فقال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم من رزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)
توكلت في رزقي على الله خالقي وأيقنتُ أنَّ اللهَ لا شكَّ رَازِقِي
وما يك منْ رزقٍ فليسَ يَفوتني ولَوْ كانَ في قاعِ البِحارِ العَوَامِقِ
قال: هذه ألف دينار تقوَّ بها على عبادتك، وأنفقها على عيالك، وسد بها حاجاتهم، قال: سبحان الله! أدلك على طريق النجاة، وتكافئني بمثل هذا سلمك الله، ثم صمت فلم يتكلم بعدها، قال: فخرجنا من عنده، فلما صرنا إلى الباب قال هارون لحاجبه هذا: إذا سألتك أن تدلني على أحد فدلني على مثل هذا، فلما انصرفنا قال: دخلت عليه امرأته فقالت: يا هذا قد ترى ما نحن فيه من ضيق الحال، فلو قبلت المال لتسد به حاجتنا، فقال لها: إنما مَثَلِي ومثلكم كمَثَل قوم كان لهم بعير يأكلون من كسبه، فلما كبر نحروه فأكلوا لحمه، فلما سمع هارون كلامه وهو على الباب قال: نرجع إليه فعسى أن يقبل الدراهم، فلما علم الفضيل بعودتهم خرج فجلس على سطح الغرفة، فجاء هارون فجلس إلى جنبه، فجعل يكلمه فلا يجيبه، فبينما هم كذلك إذ خرجت جارية فقالت: يا هذا؛ قد آذيتموه هذه الليلة، دعوه مع كتاب الله وانصرفوا رحمكم الله. فانصرفوا رحم الله الجميع.
قال: هذه ألف دينار تقوَّ بها على عبادتك، وأنفقها على عيالك، وسد بها حاجاتهم، قال: سبحان الله! أدلك على طريق النجاة، وتكافئني بمثل هذا سلمك الله، ثم صمت فلم يتكلم بعدها، قال: فخرجنا من عنده، فلما صرنا إلى الباب قال هارون لحاجبه هذا: إذا سألتك أن تدلني على أحد فدلني على مثل هذا، فلما انصرفنا قال: دخلت عليه امرأته فقالت: يا هذا قد ترى ما نحن فيه من ضيق الحال، فلو قبلت المال لتسد به حاجتنا، فقال لها: إنما مَثَلِي ومثلكم كمَثَل قوم كان لهم بعير يأكلون من كسبه، فلما كبر نحروه فأكلوا لحمه، فلما سمع هارون كلامه وهو على الباب قال: نرجع إليه فعسى أن يقبل الدراهم، فلما علم الفضيل بعودتهم خرج فجلس على سطح الغرفة، فجاء هارون فجلس إلى جنبه، فجعل يكلمه فلا يجيبه، فبينما هم كذلك إذ خرجت جارية فقالت: يا هذا؛ قد آذيتموه هذه الليلة، دعوه مع كتاب الله وانصرفوا رحمكم الله. فانصرفوا رحم الله الجميع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق