الجمعة، 4 يونيو 2010

الحق يدفع الباطل

 أورد [ابن كثير] في البداية والنهاية أنه في القرن الخامس الهجري زور يهود خيبر إحدى الوثائق - وكثيرًا ما يزورون ويغشون ويكذبون ويفترون ويمكرون، وتاريخهم لا يخفى على ذي عين- زعموا في وثيقتهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أسقط عنهم الجزية، وأقرهم على خيبر، يمكثون فيها ما شاءوا، وكما هو معلوم فقد أخرجهم عمر - رضي الله عنه- وما أخرجهم عبثًا، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حاولوا بهذه الوثيقة الرجوع إلى خيبر كما يحاولون في كل زمان وبكل الوسائل المتاحة لإطفاء النور، ولن يرضوا حتى تتبع ملتهم، والله متم نوره ولو كرهوا وخططوا ودبروا، ومكروا والله خير الماكرين، والعاقبة للمتقين زوروا الوثيقة وجاءوا بها إلى الوزير العباسي [أبي القاسم بن مسلمة]، جاءوا إليه وقالوا: معنا كتاب نبوي بإسقاط الجزية وإقرارنا على خيبر، بكتابة صحابي، وشهادة الصحابة، نظر الوزير في الوثيقة فكر وقدَّر وتأمل وتملَّى، ثم لم يفصل في المسألة، بل رد الأمر إلى أهله الذين يستنبطونه، دفع الكتاب -وحسنًا فعل- إلى الحافظ [الخطيب البغدادي]؛ شيخ علماء بغداد ومؤرخها ومحدثها في عصره، فنظر فيها ثم قال: هذا كذب والذي لا إله إلا هو، قال الوزير: كيف ذلك؟ ما دليل كذبها، أريد دليلا؟ قال: لأنها بكتابة وشهادة [معاوية بن أبي سفيان]- رضي الله عنه- ولم يكن أسلم إلا عام <فتح مكة>، فكيف يكتب للنبي -صلى الله عليه وسلم- أو يشهد قبل إسلامه بعام. هذه واحدة، أما الثانية فهي بشهادة [سعد بن معاذ] -رضي الله عنه- وسعد بن معاذ قد مات بعد الأحزاب وقبل خيبر، فكيف يشهد بعد وفاته بأكثر من عام؟ فبهت الذين كفروا، والله لا يهدي القوم الظالمين، وخابوا وخسروا، أولئك في الأذلين. بذلك نقضت الوثيقة، وظهر زيفها وباطلها، ولو جيء بها إلى غير أهلها العلماء لوقعت الأمة في شباك أعدائها ولكنه العلم.

العلم يجلو العمى عن قلب صاحبه كما يجلي سوادَ الظلمة القمرُ
وقبل ذلك بعدة قرون يجئ رجل من الخوارج إلى [أبي حنيفة] -رحمه الله- فيقول له: تب وعد إلى الله، قال أبو حنيفة: مِمَّ؟ قال الخارجي: من قولك بتجويز الحكمين في الخلاف بين [علي] [ومعاوية]، والله يقول: (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ) (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) فقال أبو حنيفة: ألا تقبل أن تناظرني في هذا الموضوع؟ قال الخارجي: قد قبلت، فقال أبو حنيفة: فإن اختلفنا فمن يحكم بيني وبينك؟ قال الخارجي: من شئت، قال –وكان مع الخارجي صاحب له آخر- فالتفت أبو حنيفة إلى صاحبه وقال: اقعد فاحكم بيننا فيما اختلفنا فيه إن اختلفنا، فسر الخارجي بكون صاحبه هو الحكم، عندها فاجأه أبو حنيفة قائلا: أترضى بهذا حكما بيني وبينك؟ قال: نعم، فقال أبو حنيفة: إذًا أنت جوَّزت التحكيم، فبهت الخارجي ولم يحر جوابًا، وبهت الذين كفروا، والله لا يهدي القوم الظالمين. العلم فيه حياة للقلوب؛ كما تحي البلاد إذا ما مسها المطر.

تكليف لا تشريف

 حدث [الفضيل بن الربيع] قال: حج أمير المؤمنين [هارون الرشيد] -عليه رحمة الله- قال: ثم أتاني وخرجت مسرعًا، أقول له: لو أرسلت إليَّ لأتيتك، قال: ويحك قد حاك في نفسي شيء فانظر لي رجلا أسأله، فقلت له: هنا [سفيان بن عيينة]، فقال: امض بنا إليه، قال: فأتينا فقرعنا الباب، فقال: من؟ قلت: أمير المؤمنين، فخرج وقال: لو أرسلت إليَّ أتيتك، فحادثه ساعة، ثم قال له: أعليك دين؟ قال: نعم، قال: اقض دينه، فلما خرجنا قال: ما أغنى عني صاحبك شيئًا، انظر لي رجلا آخر أسأله، قلت: هاهنا [عبد الرزاق بن همام] قال: امض بنا إليه، فأتيناه، فقرعنا الباب وخرج إلينا، فإذا هو بأمير المؤمنين، فقال: لو أرسلت إليَّ لأتيتك، فحادثه ساعة، ثم قال: أعليك دين؟ قال: نعم، قال: يا [أبا عباس] اقضِ دينه، قال: فلما خرجنا قال ما أغنى عنا صاحبك شيئًا، انظر لي رجلا أسأله، قلت: هاهنا [الفضيل بن عياض] قال: امض بنا إليه، قال: فأتينا، فإذا هو قائم يتلو آية من القرآن يرددها، قال: فقرعت الباب فلم يرد، فقلت: أجب أمير المؤمنين، قال: فاستمر في قراءته، فقلت: أما عليك طاعة، قال: بلى، لكن ليس للمؤمن أن يذل نفسه، ثم نزل ففتح باب الدار، ثم ارتقى إلى غرفة من الغرف، وأطفأ السراج، والتجأ إلى زاوية في بيته، قال: فدخلنا فجعلنا نجول بأيدينا علَّنا نجده، فسبقت كف هارون إليه، فقال: يا لها من كف ما ألينها إن نجت غدًا من عذاب الله –عز وجل-! فقلت في نفسي: ليكلمنه الليلة بكلام قوي من قلب تقي، قال: خذ –رحمك الله- لمجيئنا إليك، وأعطاه مالا، فقال: إن [عمر بن عبد العزيز] لما وليَ الخلافة دعا [سالم بن عبد الله]، [ومحمد بن كعب]، [ورجاء بن حيوة] فقال لهم: إني قد ابتليت بهذا البلاء، فأشيروا عليَّ، فعدَّ الخلافة بلاء، وعددتها أنت نعمة، خذ مالك لا أريده، ثم واصل فقال: قال له سالم: يعني قال سالم لعمر: إن أردت النجاة من عذاب الله فصم عن الدنيا، وليكن إفطارك منها الموت، وقال له محمد بن كعب: إن أردت النجاة من عذاب الله فليكن كبير المؤمنين لك أبًا، وأوسطهم أخًا، وأصغرهم ابنًا، ووقِّر أباك، وأكرم أخاك، واحنُ على ولدك. وقال له رجاء: إن أردت النجاة غدا من عذاب الله فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك، ثم مت إن شئت، وإني أقول لك يا أمير المؤمنين: إني أخاف عليك أشد الخوف من يوم تذلُّ فيه الأقدام، فهل معك -رحمك الله- من يشير عليك بمثل ذلك، فبكى هارون بكاءً شديدًا حتى غشي عليه، فقلت له: ارفق بأمير المؤمنين، فقال: يا ابن الربيع؛ تقتله أنت وأصحابك وأرفق به أنا، إن النصح رفق، النصح رفق، أفاق الرشيد وقال: زدني رحمك الله، فقال: يا أمير المؤمنين بلغني أن عاملا لعمر بن عبد العزيز شكا إليه، فكتب عمر عليه قائلا: يا أخي أذكرك طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد، فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم على عمر فقال له عمر: ما أقدمك؟ قال: خلعت قلبي بكتابك، والله لا أعود إلى ولاية حتى ألقى الله -عز وجل- فبكى الرشيد بكاءً شديدًا، ثم قال: زدني -رحمك الله- فقال: يا حسن الوجه، أنت الذي سيسألك الله -عز وجل- عن هذا الخلق يوم القيامة، فإن استطعت أن تقيَ هذا الوجه النار فافعل، وإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيتك؛ فإن نبينا -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أصبح لهم غاشًا لم يرد رائحة الجنة "
فبكى هارون بكاءً شديدًا، ثم أفاق وقال له: أعليك دين؟ قال: نعم، دين لربي لم يحاسبني عليه، فالويل لي إن سألني، والويل لي إن ناقشني، والويل لي إن لم أُلْهَم حُجَّتي، ثم انفجر باكيًا مضطربًا كما يضطرب العصفور المبلل بالماء، ثم هدأ فقال له: أما عليك دين لعباد الله نقضيه عنك؟ قال: إن ربي أمرني أن أصدق وعده وأطيع أمره، فقال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم من رزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)

توكلت في رزقي على الله خالقي وأيقنتُ أنَّ اللهَ لا شكَّ رَازِقِي

وما يك منْ رزقٍ فليسَ يَفوتني ولَوْ كانَ في قاعِ البِحارِ العَوَامِقِ
قال: هذه ألف دينار تقوَّ بها على عبادتك، وأنفقها على عيالك، وسد بها حاجاتهم، قال: سبحان الله! أدلك على طريق النجاة، وتكافئني بمثل هذا سلمك الله، ثم صمت فلم يتكلم بعدها، قال: فخرجنا من عنده، فلما صرنا إلى الباب قال هارون لحاجبه هذا: إذا سألتك أن تدلني على أحد فدلني على مثل هذا، فلما انصرفنا قال: دخلت عليه امرأته فقالت: يا هذا قد ترى ما نحن فيه من ضيق الحال، فلو قبلت المال لتسد به حاجتنا، فقال لها: إنما مَثَلِي ومثلكم كمَثَل قوم كان لهم بعير يأكلون من كسبه، فلما كبر نحروه فأكلوا لحمه، فلما سمع هارون كلامه وهو على الباب قال: نرجع إليه فعسى أن يقبل الدراهم، فلما علم الفضيل بعودتهم خرج فجلس على سطح الغرفة، فجاء هارون فجلس إلى جنبه، فجعل يكلمه فلا يجيبه، فبينما هم كذلك إذ خرجت جارية فقالت: يا هذا؛ قد آذيتموه هذه الليلة، دعوه مع كتاب الله وانصرفوا رحمكم الله. فانصرفوا رحم الله الجميع.

إنما هي نفس واحدة

إنما هي نفس واحدة روى [حميد بن هلال] كما في السير [للذهبي] قال: أتى بعض مخالفي أهل السنة [مطرف بن عبد الله] -عليه رحمة الله - يدعونه إلى رأيهم المخالف لأهل السنة، فقال -واسمعوا لما قال- قال: يا هؤلاء لو كان لي نفسان بايعتكم بإحداهما وأمسكت الأخرى، فإن تبين أن الذي تقولونه هدى أتبعتها الأخرى، وإن كان ضلالة هلكت نفس وبقيت لي نفس، ولكن إنما هي نفس واحدة، والله لا أغرِّر بها، والله لا أغرر بها. إجابة حازمة وجازمة للدعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها، إنما هي نفس لا يغرر بها. إجابة لمن لا يملك تقوى أهل الإسلام، ولا عقول أهل الجاهلية، إنما هي نفس لا أغرر بها. إجابة حاسمة جازمة لمن يريد أن تجعل دينك دونه. إنما هي نفس واحدة لا أغرر بها. يا من باع كل شيء بلا شيء، واشترى لا شيء بكل شيء إنما هي نفس واحدة، إلى عباد الأهواء والشهوات إنما هي نفس واحدة، إلى المتاجرين ببث الشبهات إنما هي نفس واحدة.
مَنْ كانَ حينَ تصيبُ الشمسُ جبهتَهُ أو الغبارُ يخافُ الشَينَ والشَّعثَ

ويَأْلفُ الظِّلَ كيْ تبقَى بَشَاشَتُهُ فسوفَ يسكنُ يَومًا راغمًا جَدَثَا

في قعْرِ مظلمةٍ غبراءَ موحشةٍ يُطيلُ فِي قَعْرِهَا تحتَ الثَّرَى اللَّبث

تَجَهزِي بجهازٍ تَبْلُغِينَ بِهِ يَا نَفْسُ قَبْلَ الرَّدَى لَمْ تُخْلَقِي عَبَثًا
إنما هي نفس يا عبد الله فلا تغرر بها، اشترها اليوم فإن السوق قائمة، والثمن موجود وخطير، والبضائع رخيصة وفي ذات الوقت نفيسة، وسيأتي على السوق والبضائع يوم لا تصل فيه إلى قليل ولا كثير (ذَلِكَ يَومُ التَّغَابُنِ) (ويَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا) يوم الحساب
إنَّ يومَ الحسابِ يومٌ عَسِيرٌ ليسَ فيه للظاَّلمينَ نَصِيرُ

الثلاثاء، 1 يونيو 2010

فِيمَ يختصمون؟

روى أن أبا بكر – رضي الله عنه وأرضاه - عيَّن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه وأرضاه- قاضيًا على المدينة فمكث عمرسنة كاملة لم يختصم إليه اثنان، لم يعقد جلسة قضاء واحدة، وعندها طلب من أبي بكر– رضي الله عنه وأرضاه - إعفاءه من القضاء، فقال أبو بكر: أمن مشقة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر؟ قال عمر: لا يا خليفة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ولكن لا حاجة بي عند قوم مؤمنين، عرف كل منهم ما له من حق، فلم يطلب أكثر منه، وما عليه من واجب فلم يقصر في أدائه، أحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه، إذا غاب أحدهم تفقدوه، وإذا مرض عادوه، وإذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج ساعدوه، وإذا أصيب عزوه وواسوه، دينهم النصيحة، وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيمَ يختصمون؟ ففيمَ يختصمون؟ هنيئًا، ثم هنيئًا، ثم هنيئًا لمن اكتحلت عيناه برؤية ذلك الجمع. اللهم كما حرمناه في هذه الحياة فأقر أعيننا برؤيتهم في جنات النعيم، إخوانًا على سرر متقابلين.
أولئك النَّاسُ إنْ عُدُّوا وإنْ ذُكِــرُوا وما سِوَاهُم فَلَغْوٌ غَيْرُ مَعْدُودٍ

وأحرَّ شَوقِي إليهِم كُلَّمَا هَجَست نفسِي فنفسي بهمْ مجنونة الكَلَفِ

إنِّي سَئِمْتُ هَوَى الدُّنْيَا وزَهْرَتَهَا وملَّ قَلبِي ذُرَى رَوْضَاتِها الأُنَفِ

وقد بلـوتُ لياليـهَا وأَنهُـرَها فَتَى وحُزْت لآليها مـنَ الصَّــدَفِ

فلم أجدْ غيرَ دربِ اللهِ دربَ هُدَى وغيرَ ينبوعِهِم نبعًا لمُغترِفِ

كَرِّرْ عَليَّ حدِيثَهُم يَا حادِي فحدِيثُهُم يَجْلُو الفؤادَ الصَّادِي

البداية

                                             بسم الله الرحمن الرحيم
بعد حمد الله والصلاة على رسوله أبدأ هذه المدونة برسالة التعريف بها سائلاً الله بمنه وكرمه أن يجعلها فى ميزان حسناتى وأن ينفع بها هو ولى ذلك والقادر عليه
هذه المدونة سأضع فيها بإذن الله العديد من الرسائل التى تحتوى على نتف وأخبار العلماء والقصص والمواقف الإيمانية للصحابة والتابعين ومواقف الصحابة مع النبى صلى الله عليه وسلم داعياً الله أن تزيد من همة قارئها وأن تكون فى ميزان حسناتى وأسئلكم الدعاء بالمغفرة والهداية
                            أخوكم فى الله السيد محمد الشريف